كنت قد شاركت هذه الفكرة سابقًا في مجموعة واتساب متخصصة، رأيت أن من المناسب إعادة صياغتها وتحسينها لنشرها هنا، لما أراه من أهمية متزايدة لهذا الموضوع، خاصة في ظل ما نعيشه من تحولات مستمرة في سوق العمل وتزايد التوتر في العلاقات العمالية. أشاركها اليوم كوجهة نظر شخصية، متمنياً أن تسهم في فتح نقاش أعمق وأكثر توازنًا حول ما ينشر في وسائل التواصل، وأثره المباشر وغير المباشر على بيئة العمل والاستقرار المهني.
من وجهة نظري، هناك مشكلة متنامية في قطاع الأعمال والتوظيف، أحد أبرز أسبابها هو المحتوى المتداول عبر حسابات وسائل التواصل التي يديرها بعض مختصي الموارد البشرية. هذه الحسابات، رغم نوايا بعضها التوعوية، باتت تركز بشكل مبالغ فيه على شرح الثغرات، وتسليط الضوء على الحالات الاستثنائية، وصناعة نوع من التأزيم في العلاقات العمالية.
هذا الطرح يدفع العديد من العاملين للتوجه نحو التقاضي العمالي لأسباب قد لا ترقى أصلًا لتكون قضايا، بل بعضها اختلافات يمكن حلها بالحوار أو عبر القنوات الودية داخل المنشآت وبعضها ليس له وجاهة اصلاً. لكن مع غياب عامل التكاليف القضائية وتفرغ بعض الجهات القانونية الفردية لمثل هذه القضايا، أصبح من السهل اللجوء للقضاء العمالي، ما ساهم في خلق بيئة عمالية مرتبكة، يتوجس فيها كل طرف من الآخر، ويخشى أي تصرف يفسر ضده.
أنا مؤمن تمامًا بحق التقاضي، وبضرورة حصول العامل أو صاحب العمل على حقه وإنصافه الكامل، لكن في المقابل، اهتزاز العلاقات العمالية بهذه الصورة وغياب الثقة يضعف بيئة العمل ويجعل العلاقة بين الطرفين متحفزة ومتوترة باستمرار.
أتمنى أن يصدر من جهة الاختصاص ما يخفف من هذا الضجيج الإعلامي والمعلوماتي غير المنضبط، وأن يعاد ضبط إيقاع النشر المتعلق بالعلاقات العمالية، ليعود إلى التوعية الحقيقية لا إلى التحريض غير المباشر. وأكاد أجزم رغم سهولة الوصول إلى المعلومة أن نسبة القضايا التي تحال من الجلسات الودية إلى الجلسات القضائية في تصاعد مستمر، وهو ما يضيف أعباء إضافية على القطاع العدلي.
وفي الختام، لفت انتباهي حكم قضائي منشور على الإنترنت في صحيفة سبق، وصف فيه فضيلة القاضي المدعي بأنه “يحاول التكسب عن طريق المحكمة”، وهذه العبارة بحد ذاتها كافية لتؤكد فرضية كل ماذكر سابقاً، وتسلط الضوء على جانب مهم من التحدي الذي نواجهه اليوم.
