وجهة نظر | مقالات شخصية في الاعمال | بندر العتيبي
في عالم الأعمال اليوم، الشفافية لم تعد خياراً، بل أصبحت ضرورة لتعزيز المصداقية وتحقيق الحوكمة داخل الشركات. ومع ذلك، لا يزال إخفاء الراتب في الإعلانات الوظيفية ممارسة شائعة، رغم أنه أمر غير منطقي أبداً. كيف يمكن لشركة أن تعلن عن وظيفة تم التخطيط لها مسبقاً، ورُصد لها ميزانية محددة، ثم تخفي المعلومة الأهم وهي الراتب؟
الإجابات المعتادة مثل “الراتب قابل للتفاوض” أو “يحدد عند المقابلة” ليست مقنعة. إذا كانت الوظيفة قد خُطط لها بالفعل، فهناك بالتأكيد رقم موضوع على الطاولة، فلماذا لا يتم الإفصاح عنه منذ البداية؟ هذا الغموض يطرح تساؤلات كثيرة: هل الهدف هو توظيف الشخص بأقل تكلفة ممكنة؟ أم أن الشركة لا تملك معايير واضحة للرواتب؟ أم أن هناك فجوات في الرواتب لا تريد كشفها؟
من واقع تخصصي في الموارد البشرية، الشفافية ليست مجرد مبدأ أخلاقي، بل هي عنصر أساسي في بناء بيئة عمل جاذبة للكفاءات. الدراسات تؤكد أن الشركات التي تعتمد الوضوح في سياساتها، بما في ذلك إعلان الرواتب، تجذب الموظفين الأكثر كفاءة وتحافظ عليهم لفترات أطول. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها منصة “ResumeBuilder.com” أن 85% من الباحثين عن عمل يفضلون التقديم على وظائف تتضمن تفاصيل واضحة عن الراتب، مما يعزز جاذبية الوظيفة. كما وجدت دراسة أجرتها “TINYpulse” أن الشفافية في بيئة العمل تؤثر بشكل مباشر على رضا الموظفين وولائهم، مما يقلل من معدلات دوران العمل. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإعلان عن الراتب مسبقاً يسهل عملية التفاوض، ويقلل من الإحباط لدى الباحثين عن عمل الذين قد يكتشفون لاحقاً أن العرض أقل بكثير من توقعاتهم. هذه العوامل تؤكد أن الشفافية في الرواتب ليست مجرد ميزة إضافية، بل هي استراتيجية ضرورية لجذب المواهب والاحتفاظ بها.
في بعض الدول، لم يعد الإفصاح عن الراتب في الإعلانات الوظيفية مجرد خيار، بل أصبح التزاماً قانونياً لضمان الشفافية والمساواة. في ولايات مثل كاليفورنيا ونيويورك وكولورادو في الولايات المتحدة، تُلزم القوانين أصحاب العمل بتحديد نطاق الراتب في الإعلان، مما يساعد على تقليل فجوات الأجور ويمنح الباحثين عن عمل رؤية أوضح لما يمكن توقعه. أما في أوروبا، فقد بدأ البرلمان الأوروبي في فرض تشريعات تُلزم بعض الشركات بالكشف عن معايير الأجور لمنع التمييز وتحقيق العدالة في سوق العمل. في الأسواق المحلية، لا تزال هذه الخطوة بحاجة إلى دفع قوي، حيث تعتمد الشفافية في الرواتب غالباً على سياسات الشركات بدلاً من تشريعات ملزمة.
إخفاء الراتب لا يخدم أحداً. فهو يخلق بيئة من عدم الوضوح، ويضر بسمعة الشركة، ويضيع وقت الباحثين عن عمل. إذا كانت الوظيفة قد خُطط لها وتم اعتماد ميزانيتها، فلا يوجد أي مبرر منطقي يمنع إعلان الراتب بشكل صريح. الشفافية هي الأساس، وأي ممارسة تعاكس هذا المبدأ هي ببساطة خطوة للخلف في سوق العمل.