تحليل ما قبل الفشل Pre-Mortem Analysis

أداة استراتيجية لتقليل المخاطر وتعزيز النجاح

في ظل بيئة الأعمال المعاصرة، حيث تزداد معدلات التغيير وعدم اليقين، لم يعد كافيًا الاعتماد فقط على التفاؤل والتخطيط التقليدي عند إطلاق المشاريع أو تنفيذ الاستراتيجيات. بل أصبح من الضروري امتلاك أدوات فكرية وتحليلية قادرة على استشراف المخاطر المحتملة قبل وقوعها. في هذا السياق، يبرز “تحليل ما قبل الفشل” (Pre-Mortem Analysis) كأحد الأساليب الفعالة التي تُمكن الفرق الإدارية والتنفيذية من توقع نقاط الفشل واتخاذ تدابير استباقية تقلل من احتمال وقوعها أو تحدّ من آثارها.

مفهوم تحليل ما قبل الفشل

تحليل ما قبل الفشل هو تمرين ذهني يسبق تنفيذ مشروع أو مبادرة جديدة، حيث يُطلب من الفريق أن يتخيل أن المشروع قد فشل فشلًا تامًا، ثم يعمل على تحليل الأسباب التي قد تكون أدت إلى هذا الفشل. هذا النوع من التحليل يساعد على التحرر من “التحيز للتفاؤل” الذي قد يمنع الأفراد من رؤية التهديدات الحقيقية أو نقاط الضعف في الخطة.

الفكرة الجوهرية وراء هذا التحليل تكمن في خلق بيئة نفسية تسمح بطرح الأسئلة الصعبة ومواجهة السيناريوهات السلبية بشكل موضوعي. من خلال هذا التمرين، يتم استخراج المخاطر الكامنة، وتحليلها، ثم تصنيفها حسب أولويتها، تمهيدًا لتحديد كيفية التعامل معها ضمن إطار استراتيجي متكامل.

خطوات تنفيذ تحليل ما قبل الفشل

يتكون تحليل ما قبل الفشل من ثلاث مراحل رئيسية:

  1. توليد سيناريوهات الفشل:
    في هذه المرحلة، يتخيل الفريق أن المشروع قد فشل تمامًا. يُطلب من كل فرد أن يكتب جميع الأسباب التي يتصور أنها قد تكون أدت إلى ذلك الفشل. هذا الطرح يسمح بالكشف عن مشكلات قد لا تظهر عادة خلال جلسات التخطيط الإيجابية.

  2. تحليل وتصنيف المخاطر:
    تُجمع الأسباب المحتملة للفشل في قائمة موحدة، ثم تُصنف وفق معيارين: شدة الأثر في حال حدوث الخطر، واحتمالية وقوعه. هذه المرحلة تساعد على تحديد المخاطر ذات الأولوية العليا والتي تتطلب اهتمامًا خاصًا.

  3. رسم مصفوفة التعامل مع المخاطر:
    تُستخدم مصفوفة تحليل المخاطر لتحديد كيفية الاستجابة لكل خطر، وتشمل الاستراتيجيات:

    • تجنب الخطر: من خلال تعديل الخطة أو إلغاء بعض الجوانب

    • تقليل الخطر: عبر تحسين الإجراءات أو تطوير قدرات الفريق

    • قبول الخطر: إذا كان الأثر منخفضًا والتكلفة لا تستحق المعالجة

    • مشاركة الخطر: عن طريق الشراكات أو استخدام التأمينات

أمثلة عملية لتطبيق التحليل

في قطاع التقنية، على سبيل المثال، يمكن لشركة ناشئة تعمل على تطوير تطبيق جديد أن تستخدم تحليل ما قبل الفشل لتحديد مسببات محتملة لفشل المنتج، مثل عدم توافقه مع احتياجات السوق، أو ضعف في تجربة المستخدم، أو تحديات في التكامل مع الأنظمة القائمة. من خلال هذا التحليل، قد تقرر الشركة إجراء اختبارات مكثفة مبكرة، أو تعديل الجدول الزمني للإطلاق، أو زيادة التركيز على دعم العملاء، وهو ما يسهم في رفع فرص النجاح.

مثال آخر من قطاع التعليم: مؤسسة تعليمية رقمية تطلق منصة تدريب إلكتروني جديدة، قد تتصور فشلًا ناتجًا عن انخفاض التفاعل أو ضعف المحتوى. بتحليل هذه الأسباب مسبقًا، يمكن وضع خطة لإشراك المستخدمين وتطوير محتوى تفاعلي عالي الجودة قبل بدء التنفيذ.

متى يستخدم تحليل ما قبل الفشل؟

يعد هذا التحليل مناسبًا في المواقف التي تتسم بقدر كبير من الغموض أو المخاطر العالية، مثل:

  • إطلاق منتج أو خدمة جديدة في سوق غير مألوفة

  • اعتماد استراتيجية مؤسسية طويلة الأجل

  • الإعداد لعروض تقديمية أمام مستثمرين رئيسيين

  • الدخول في شراكات استراتيجية أو عمليات استحواذ

الأثر المؤسسي لتحليل ما قبل الفشل

تكمن القوة الحقيقية لتحليل ما قبل الفشل في قدرته على تمكين الفرق من التفكير النقدي والاعتراف بالمخاطر المحتملة قبل أن تتحول إلى أزمات. كما يعزز هذا النوع من التحليل من الشفافية الداخلية ويقلل من عنصر المفاجأة، مما يدعم اتخاذ قرارات أكثر اتزانًا ووعيًا.

إن استخدام تحليل ما قبل الفشل لا يعكس تشاؤمًا، بل يعبر عن احترافية في التهيؤ للأسوأ بهدف الوصول إلى الأفضل. لذلك، يُوصى بأن تعتمد المؤسسات هذا الأسلوب كجزء من ثقافتها التنظيمية، خصوصًا في المشاريع ذات الأثر العالي أو التي تنطوي على تحديات استراتيجية معقدة.

شارك هذه التدوينة على وسائل التواصل

تابع حسابات شبكة الاعمال وتمتع باخر التحديثات

احصل على آخر الاصدارات والتحديثات
error:
0
    السلة
    السلة فارغةالعودة للمتجر