السعودية موطن الاربيكا

وجهة نظر | مقالات شخصية في الاعمال | بندر العتيبي

بصفتي متخصصًا في مجال الأعمال ومهتمًا بشغف بقطاع القهوة، يسعدني أن أسلط الضوء في هذه الزاوية على تطور استراتيجي واعد تقوده المملكة العربية السعودية، مدفوعًا بالرؤية الطموحة 2030 التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله. هذه الرؤية لا تقتصر على التنمية المحلية فحسب، بل تمتد لتشمل المساهمة في حل تحديات عالمية ملحة، ومن أبرزها “مشكلة 2050” التي تهدد مستقبل صناعة القهوة.

تُشير التقارير الصادرة عن المنظمات العالمية المعنية بتجارة القهوة، وتؤكدها الأوساط المتخصصة، إلى قضية محورية تُعرف بـ “مشكلة 2050”. يهدد تغير المناخ بتقليص المساحات الصالحة لزراعة حبوب قهوة الأرابيكا عالية الجودة والتي تشكل حاليًا 60% من إجمالي إنتاج البن العالمي، بنسبة تصل إلى النصف بحلول عام 2050. هذا التهديد المناخي لا يقتصر على نقص الإنتاج فحسب، بل يتضمن تحديات أخرى تواجه المزارعين.

اضافة الى ذلك، فإن التقلبات الحادة في الأسعار الدولية، والتي غالبًا ما تكون مدفوعة بالاستثمارات المضاربة في أسواق العقود الآجلة، يظل ما يقدر بنحو 5.5 مليون منتج ومزارع للقهوة في دائرة الفقر. هذه القضايا الهيكلية تدفع العديد من المزارعين إلى اعتبار زراعة البن محصولًا عالي المخاطر ومنخفض الربح، مما يدفع البعض إلى التخلي عن الإنتاج تمامًا. وعلى الرغم من الطلب العالمي المتزايد على القهوة، فإن هذه العوامل مجتمعة تثير مخاوف جدية بشأن استدامة إنتاج البن على المدى الطويل.

في مواجهة هذه التحديات العالمية، تبرز المملكة العربية السعودية برؤية استراتيجية استباقية تهدف إلى المساهمة في استدامة صناعة القهوة. يتجلى هذا الفكر الاستراتيجي في دور صندوق الاستثمارات العامة (PIF) وإطلاقه للشركة السعودية للقهوة في عام 2022. تهدف هذه المبادرة إلى دعم المنتج المحلي والارتقاء به إلى المصاف العالمية عبر دعم ورعاية المزارعين المحليين وتشجيعهم، مع التركيز بشكل خاص على زراعة قهوة الأرابيكا.

تعتزم الشركة السعودية للقهوة استثمار حوالي 1.2 مليار ريال سعودي (ما يعادل 320 مليون دولار أمريكي) على مدى السنوات العشر القادمة في قطاع القهوة بالمملكة. وتشمل الأهداف الطموحة للشركة زراعة 5 ملايين شجرة بن بحلول عام 2030. وتتركز جهود الزراعة هذه في المحافظات الجبلية بمنطقة جازان، التي تتمتع بظروف مناخية وجغرافية مناسبة لزراعة البن، حيث يوجد حاليًا ما يقارب 2,500 مزرعة بن.

توضح البيانات والإحصائيات الحالية أن المملكة تشهد نموًا سنويًا في استهلاك القهوة بنحو 4% للفترة بين عامي 2016 و 2021، مما يؤكد أهمية هذه الصناعة محليًا. , ويتوزع الإنتاج المحلي الحالي على مناطق جازان وعسير والباحة. ففي جازان وحدها، يتجاوز عدد أشجار البن 400 ألف شجرة، وقد تجاوز إنتاجها 800-1000 طن سنويًا في بعض التقارير. وتستهدف الشركة السعودية للقهوة زراعة 1.2 مليون شجرة بن بحلول عام 2026، مما يعكس التزامًا قويًا بزيادة الإنتاج المحلي.

إن الاستثمار الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية في زراعة قهوة الأرابيكا، من خلال صندوق الاستثمارات العامة والشركة السعودية للقهوة، يمثل خطوة حاسمة ليس فقط لتعزيز الاكتفاء الذاتي المحلي، بل أيضًا للمساهمة في مواجهة التحديات العالمية التي تهدد صناعة القهوة. هذه الجهود تعكس رؤية استباقية تهدف إلى توفير حلول مستدامة لمشكلة 2050 وتقلبات الأسعار، وتضع المملكة كلاعب رئيسي في سوق القهوة العالمي، مما يضمن استمرارية الامداد والاستمتاع بهذا المشروب للأجيال القادمة.

بندر العتيبي 

رئيس مركز خدمات تجارة القهوة CTSC

شارك هذه التدوينة على وسائل التواصل

تابع حسابات شبكة الاعمال وتمتع باخر التحديثات

احصل على آخر الاصدارات والتحديثات
error:
0
    السلة
    السلة فارغةالعودة للمتجر