التحيز في التوظيف

وجهة نظر | مقالات شخصية في الاعمال | بندر العتيبي

في سوق العمل السعودي، لا تزال قرارات التوظيف خاضعة، في كثير من الأحيان، لتأثيرات لا علاقة لها بالكفاءة الفعلية أو الجدارة المهنية. من بين هذه التأثيرات، تبرز التصورات النمطية كعامل مؤثر في تفضيل نوع معين من العمالة على حساب الآخر. في خلال مرحلة الماجستير، كانت رسالتي الاكاديمية عن اثر الصورة النمطية في الاختيار بين القوى العاملة الاجنبية والسعودية، التي ركزت على وجهة نظر المديرين، وقد كشفت هذه الدراسة عن حجم هذا التأثير وخطورته على تكافؤ الفرص، بل وعلى مستقبل توطين الوظائف.

لا أحد ينكر أن لكل منظمة معاييرها في اختيار الموظفين. لكن المقلق حين تكون تلك المعايير غير معلنة، أو مبنية على قناعات مسبقة تشكلت عبر تجارب فردية أو آراء سائدة في بيئة العمل. فعلى سبيل المثال، يُنظر أحيانًا إلى الموظف الأجنبي على أنه “أكثر التزامًا” أو “أفضل أداءً”، بينما يُربط الموظف السعودي -خاصة الشاب- بالضعف المهاري أو قلة الانضباط، حتى قبل أن تُتاح له فرصة إثبات العكس.

عبر نتائج الاستبيانات التي أجريتها مع عدد من المديرين في القطاع الخاص، اتضح أن هذه التصورات ليست دائمًا نابعة من سوء نية، بل أحيانًا تُبرر بأنها “عملية” أو “نابعة من التجربة”. لكن الحقيقة أن هذه المبررات تكرّس لبيئة عمل لا تنصف الكفاءات، وتمنح الأفضلية لمن يحمل صورة ذهنية إيجابية، وليس من يملك القدرة الفعلية على الإنجاز.

التحيز في التوظيف لا يكون دائمًا صريحًا. في كثير من الأحيان، يتم استبعاد المتقدم السعودي فقط لأنه “لا يبدو مناسبًا للثقافة التنظيمية”، أو لأن “المنصب يتطلب مستوى احترافيا لا يتوفر محليًا” — وكلها تعبيرات ملطّفة لقرارات نمطية. هذه الممارسات لا تؤثر فقط على الأفراد، بل تبطئ من عملية بناء سوق عمل وطني ناضج، قادر على التنافس عالميًا.

نحن بحاجة لتغيير داخلي حيث يجب على المديرين أن يعيدوا تقييم ممارساتهم، وأن يتجاوزوا الصور النمطية لصالح التقييم الموضوعي للأداء. كما يجب أن تتبنى الشركات سياسات واضحة لمكافحة التحيز، مدعومة بتدريب حقيقي للقيادات على إدارة التنوع والتوظيف العادل. وفي النهاية، لا يمكن تحقيق التوطين الحقيقي ولا تطوير سوق العمل ما لم نبدأ بتفكيك الصور الذهنية التي تختبئ خلف قرارات التوظيف اليومية.

وختامًا، تُسنّ الأنظمة والقوانين لمكافحة التمييز في بيئات العمل، لكن يظل التحيز في كثير من الأحيان غائبًا عن الأعين، لأنه يتخفى خلف مفاهيم مألوفة مثل “الانطباع الأول” أو “الملاءمة الثقافية”. عندما تغلب الصورة على الكفاءة، فإننا نمارس التحيز دون أن نشعر.

شارك هذه التدوينة على وسائل التواصل

تابع حسابات شبكة الاعمال وتمتع باخر التحديثات

احصل على آخر الاصدارات والتحديثات
error:
0
    السلة
    السلة فارغةالعودة للمتجر